التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوما ما ..

 . اه من تلك النظرة

عندها تتساقط كل الأشياء من حولك ، و لا تجد في مخيلتك إلا صورة واحدة غير واضحة .. لكنك أنت الوحيد الذي تعرف كل تفاصيلها ، ليس مجرد أنك تعرفها بل تخلقها .. 

ترى أنك وضعت نفسك على خشبة المسرح، ترى أنك تقوم بأجمل المشاهد و أكثرها عمقا و تأثيرا أمام تلك الجماهير .. 
ترى أنك لديك رسالة تريد تقديمها بأسمى الطرق إلى عقول و قلوب محبي الفن .. 
و عندما يأتي مشهد النهاية ، يتدفق التصفيق و التحية من كل حدب و صوب، و تجد المقاعد فارغة لوقوف الناس تقديرا لما قدمته ، ثم .. 

فجأة ، انفتحت أعين الولد الصغير، وجد الجميع بالفعل تاركين مقاعدهم إجلالا لتلك الفنانة العبقرية ، الكل قيام يصفقون لأجلها بصوت عالي، مما دفع الواقع الصاخب ليفيق الولد من حلمه لعل يفوت تلك اللحظة  ، و اكتشف أن الكرسي الوحيد الذي ما زال مكتظا  ، كرسيه هو .. 

اختلطت في داخله كم من المشاعر المتداخلة ، فالصوت أزعجه عندما مزق حلمه إربا قبل أن يقوم بذلك الانحناء معربا عن عرفانه .. 
 بعدها، بدأ فكره يتلاعب بإرادته و أحلامه في لحظات  ، فتارة يجد نفسه متيقن بأنه يوما من الأيام سيكون هو من تسلط عليه أضواء هذا المسرح ، 
و لكن لا تمضي برهة ثم يتراجع و يقول لنفسه ستكون الكراسي فارغة ليس لوقوف الناس تهليلا بما قمته ، و لكن لعدم وجودهم من الأساس لمشاهدة شخص مثلي.
 لكنه يعود و يقول غاضبا :" و ما المشكلة في ذلك ؟
 ما أبحث عنه هو أن أفعل ما تحبه نفسي ، دون النظر إلى عيون المشاهدين .. " 

وجد أن غضبه حين استفاق من ذلك الحلم كان غير مبرر  ، فبإمكانه أن يجلس هنا طوال الوقت يحلم و يرسم أجمل السيناريهات المفعمة بالنجاح و السمو ، لكن حينها ستظل تلك الصورة فقط في مخيلته ، غير واضحة المعالم ،
 لا أحد يعرف تفاصيلها إلا هو .. 

فحلمه لن يتحول لحقيقة طوال جلوسه على هذا المقعد الجانبي وراء خشبة المسرح ..  

إليزابيث .. كان اسمها كذلك في دورها في تلك المسرحية ، شاهدته قبل دخولها للمسرح لكنهما لم يتبادلوا الحديث .. 
و بعد أن أغلق الستار حاجبا بينها و بين الاعجاب المشع من عيون الناس ، خرجت من جانب المسرح فوجدت ذلك الولد الذي رأته قبل ثلاثة سطور من الآن ، وجدته يبكي و أياديه غير قادرة على ملاحقة دموعه الدافئة .. 

احتضنته بشدة دون أن تسأله عما يبكي بشأنه، و عندما هدأ قليلا سألها متحيرا :" أنت لم تعرفي بعد عما أبكي من أجله. " 

ابتسمت ابتسامة صافية تدل على آذانها كانت متأهبة لسماع ذلك التعليق ، ثم أجابت : " بلى , إني أعرف بل أعرف بشدة ما تشعر به الآن .. " 
ثم بدأت في الرحيل عنه رويدا رويدا قبل أن تلتفت إليه قائلة : " دموعي سبقت ذويك من عشرين عاما .. " 

                            ( جزء من السيرة الذاتية للفنان الصغير )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوما ما - الجزء الثاني

" .....  فالحب يا الحضار ليس كما أظهرته لنا الشاشات .. الحب هو ما يجعل الأرض سماء و ليس جحيما، حبك لك أن توزن أفعاله بأن تتخيل هل تقدر أن تفعل هذا أو تقول ذاك هناك في الأعالي أم لا !! تذكر أن الحب ينمو و القلب يتسع ان أردت  ... " صوته كان يقشعر له الأبدان، أسر آذان بل قلوب الجميع أثناء وقوفه بتلك الحلة البهية على هذا المسرح ..  و مع هذه الموسيقى الهادئة في خلفية كلماته، ينطق اللحن بما لم يستطع اللسان وصفه بعد ، كان الموضوع أشبه بالحلم ، بسيمفونية متكاملة النغمات تخترق مشاعر السامعين ...  قد كانت مقدمة لعمل مسرحي موسيقي من روائع تأليفه، كأنه ملأ المكان بعطر فاح رائحته فجذب الحضور من كل حدب وصوب .. دموعه انهالت في المشهد الختامي ، تصفيق حار لمدة لا تقل عن عشرة دقائق متواصلة ..  و التي في الصورة أعلاه ، نعم .. كانت هي إليزابيث ... 

أنت الحب و أنا لست الخطية

إلى الموت كان طريقي، أمسكوا بي و للرجم كان مصيري، أنا الخاطئة التائهة في شباك لعينة أمسكت بقدماي فزللت .. نظرات الاستحقار و المهانة تلاحقني كظلي، تحرق قلبي بالعار و لم أطيق ، شعرت بأني وحدي و لم يكن أحد معي، بحثت عن نظرة شفقة و لم أجد .. تمرمر قلبي، كل خطوة أخطوها نحو الموت كانت كافية لاسقاطي أرضا، تخيل أن هناك من يعجلك لآخر ومضات حياتك لينهيها .. لم أحتمل كل هذه المشاعر المضطربة من قبل، شيء معقد أن تذهب للموت الجسدي بلا روح مستعدة للانطلاق .. كنت بمثابة جثة هامدة في طريقها فقط لاعلان موتها علانية .. بحثت عن الحب و لم أجد، فظننت في فعلتي تلك بالدواء ، فكان مسمما .. إلى أن ظهر ذاك، السيد .. لم أكن رأيته من قبل و لم أرى مثله يوما ما في حياتي .. اصطدت في نظراته عيون القبول و الحب الذي لم تألفه عيناي طوال حياتي، كنت أشبه الصياد الذي درس كل عالم الأسماك بأشكالها و أنواعها، لكنه لم يصطاد سمكة واحدة .. سألوه من أمسكوا بي بأن مثل هذه ترجم كما في ناموس موسى  ، فماذا تقول !؟ حينها انخطف قلبي و كدت أصرخ كالأطفال، تيقنت بأنها النهاية، إلى أن رأيته ينحني على الأرض...

لنحيا ..

ما نظن أنفسنا نؤمن به ، تأتي تصرفاتنا لتعكس قلة إيماننا ..  ما نود قوله من كل قلوبنا ، يأتي الصمت ليلجم لساننا..  و حين يأتي وقت الصمت ، يكون قد مر الوقت !!  ما نريد أن نفعله مقتنعين به و ننصح به الآخرين ، يأتي الوقت لينسينا و يطفيء حماسة نفوسنا .. الآن نجلس لنقيم الوضع ، في موضع هاديء على ضوء الشموع .. كوب ساخن من المشروب المفضل مع بعض الأوراق المبعثرة الفارغة و قلم منذ الابتدائية ... نبدأ ب سؤال " ماذا لدينا هنا ؟" لدينا تصرفات لا تعكس ما نعتقد فيه ، لدينا أيضاً صمت ليس في وقته، وقت يمر و يمر و تنطفيء بمروره شمعة الحماس في قلوبنا .. مشاعر من الاستغراب و الحيرة بعض الشيء ،   الشك يبدأ يداعب نفسي، فهل حقاً كل ما أقوله عن إيماني في بعض المبادىء مثل حب الآخر ، مسامحته و طول البال على الكل ، فالكل معرض للخطأ .. أن أبادر نحو الآخر لا أنتظر أن يأتي إلي ، مبدأ آخر كالرجاء في وسط المشكلات و آخر مثل أهمية الالتزام و الاستمرارية على الشيء و أهمية تنظيم الوقت و ما إلى ذلك !!!   ‎يا إلهي ، نعم أعشق الحديث و التغني بجمال تلك المباديء و أهميت...