هكذا كانت حياتي ..أجد نفسي مكبل اليدين و الرجلين منذ ولادتي ، كهف مظلم يشملنا جميعا ، أعيننا لا تملك الحرية أن تذهب يمينا و يسارا كيفما تشاء ، فنحن مجبرين على رؤية الحائط الذي يواجهنا ..
وراءنا كانت نيران تشتعل ، لا نراها بسبب حائط يفصل بيننا و بينها .. كان أناس يمشون وراء ذاك الحائط حاملين أشياء مثل الدمى الصغيرة ، و بسبب النيران المشتعلة كنا نرى ظلالهم في الحائط الذي تنظره عيوننا .. صدقنا أن أصوات الناس يتحركون و يهمهمون و يتحادثون ما هي إلا أصوات الظلال التي نراها ، فإننا لم نكن نرى غيرها !!
اعترى الخوف قلوبنا كلما علا صوتهم ، فنحن لا نعلم ماذا يمكن أن يفعلوه بنا ..
يوما ما، استيقظت و إذ وجدت نفسي حرا طليقا !!
وجدت عقلي يأمر جسدي بالتوجه نحو النيران المشتعلة بالخلف، أريد أن أرى ما يحدث خلفنا دون أن ندري .. و لحظة ما وقعت عيوني على النيران ، أحسست بألم شديد في عينى ، أحسست و كأنني أصبحت أعمى لا أرى شيئا ، لم أستطع حينها رؤية الدمى صاحبة الظلال المخيفة .. و بسبب الألم الشديد ، إذا أقسم لي أحدا بأن تلك الدمى هي الحقيقة و ليس الظلال التي نراها ، لن أصدق على الإطلاق .. فهل الحقيقة تؤلم هكذا ؟؟ إذن فلأبقى في الخيال !!
" سأعود ، حتما سأعود إلى ما تعودت أن أراه دون أن يؤلمني .. "
هكذا قلت لنفسي ..
و هكذا فعلت نفسي ..
إلى أن جاء يوم ،
وجدت و كأن شخصا ما يدفعني إلى أعلى .. أعلى هذا القبو الذي كنا مدفونين فيه منذ يوم ميلادنا .. إلى أن تواصلت عينى مع أول أشعة شمس تطأ على أبوابها .. لا أجد من الكلمات ما يستطيع أن يعبر عن شدة ألمي حينها !!
لكن، رويدا رويدا بدأ الألم يختفي و بدأت عيوني التعرف على الأشياء و الأشخاص .. رأيت الأنهار و الخضرة المحيطة بها من كل ناحية، الأزهار و ألوانها المفعمة بالجمال الخالص .. انتظرت الليل و رأيت النجوم تزين السماء !! حقا كان أسعد يوم في حياتي أو بالأحرى كان يوم ميلادي حقا في هذه الحياة ..
الفرحة إذا تعاظمت في داخلك، أردت أن تشاركها نع المقربين إليك ..
هكذا شعرت بأن هذا الجمال يجب أن يراه كل من كان مكبلا بجانبي داخل القبو اللعين هذا !!
بالفعل، ذهبت إلى حيث بدأت رحلتي ، و وجدت نفسي أمام السلالم التي ستسلمني إلى الموت ..
ترددت لحظة، و لكنني قررت أن لا أتراجع !!
بدأت بالنزول فترة طويلة من الزمن ، حتى استقبلني هذا الظلام الحالك مجددا ،
فأحسست بألم شديد في عيوني ، كأنني لا أرى شيئا على الإطلاق ، أحسست و كأنني أصبحت أعمى لا أرى شيئا..
حينها تيقن تماما كل من حولي ، بأن نور الشمس هو الجاني وراء كل هذا الألم الذي ينتابني ، تأكدوا بأن فسحتي للخارج كانت مخاطرة مجنونة مليئة بالخوف و الألم ، رغبتي في الاختلاف و التغيير كادت تهلكني .. وجدت الانتقادات و اللوم توجه إلى من كل حدب و صوب ، و وجدت لساني عاجز عن الرد، غير قادر على التفسير ..
قرروا من يومها إن كل شخص يفكر في أن يخرجهم إلى الخارج ، سيقتلوه حفاظا على حياتهم ، أو حفاظا على موتهم !!!
تعليقات
إرسال تعليق