التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أولون و آخرون



يا أختاه،لماذا لا تأتين بزيت لمصباحك الليلة؟ 

- حقا متعبة طوال اليوم، و غير قادرة على الذهاب إلى الباعة الآن .. 
-  لعله لا يأتي اليوم أو ربما يأتي متأخرا، ربما تسنح لي الفرصة لأبتاع قبل مجيئه ..
- لكن في ماذا تهدرين زيتك عزيزتي ؟ 
فيما يحلو لي، أنطلق هنا و هناك .. 
أخرج للتنزه في الليالي التعيسة تلك التي نعيشها، أستمتع بوقتي و لا أحرم نفسي من شيء يبتغيه قلبي .. هكذا هي حياتي الآن .. 

أتعلمين شيئاً ؟!
 يا ليته يكون اليوم .. 
أنا أتشوق للقائه، متى يأتي و ندخل إلى العرس؟!
متى يأتي فترتسم تلك الابتسامة على شفتي ؟! 
متى يأتي و أذوب في محبته ؟ 
متى يأتي و يمسح كل دموع عيوننا، كل مرارة تركت أثرا في كياننا، كل جرح لم يلتئم بعد ؟ 
فمتى يأتي المحبوب ؟! 

- لكننا كل ليلة ننتظر و لا نجد شيئا،
كالصياد الذي أضاع لياليه في قارب صغير و في النهاية لا أسماك في الشباك .. الأيادي ما زالت فارغة، و الجسد منهك و جائع .. 
لماذا كل هذا التأخير؟ 
لماذا الصمت و الاختفاء؟ 
لماذا السكوت و السكون ؟ 
أريد عصا تؤدبني و تأديب يسحقني،  أن أراه هكذا أفضل من أن لا أشعر بوجوده .. 
 فما الجديد في هذه الليلة عن أخواتها ؟! 

- لا أعلم، لكني أصبحت أحلم بذلك المشهد ليلا و نهارا،
أرى نفسي واقفة متأهبة في مقدمة صفوف العذارى، معي مصباحي في يدي اليمنى، ثم ينفتح الباب الخشبي الكبير المؤدي إلى العرس .. يا لها من لحظة ! 
حقا لنخلد للنوم، و لتجري عقارب الساعة كمن تبحث عن غنيمة في هذه الليلة ..

ذهبت كل عذراء منهن إلى سريرها إلى غرفتها، 
لكن في الحقيقة فعيونهن ما زالت مفتوحة تعبر عن حيرة و قلق، شيئا ما حدث لكلتيهما في تلك الليلة! 

فالأولى بدأت تفكر قائلة :-

"هل من الممكن ما قالته أن يكون صحيحا ؟! 
فأنا أراه منطقيا !! 
حقا ما المختلف في هذه الليلة عن الباقي ؟ 
فأنا كل يوم آتي بالزيت لمصباحي اعتقادا بأنه سيأتي في نصف الليل لكن لا فائدة .. 
أحرم نفسي من كل شيء أريده لتوفير الزيت عند مجيئه، لا ذهاب و لا مجيء و لا خروج و لا تنزه و لا شيء كل يوم كل يوم حتى مللت الانتظار !! 
لماذا لا أحاول الليلة القيام بشيء مختلف ؟! 
لماذا لا أقوم بشيء مما حرمت نفسي منه لليالي عديدة ؟ 
و كما قالت أختي، 
لعله لا يأتي أو يأتي متأخرا، فتسنح لي الفرصة بالشراء مجددا من الباعة .. 
أخيرا سأفعل ما أريد، يا لها من لحظة و حرية ما بعدها حرية ..
لأفعل ما شئت، و أنطلق هنا و هناك و لأجري في الأركان، كنت الزهرة الذابلة التي ارتوت لحظات قبل أن تتساقط وريقاتها 
"
على الصعيد الآخر، 
عيونها شاخصة إلى الزيت المتبقي لديها، تفكر في كيفية استخدامه في هذه الليلة .. 

و فجأة ، بدأت جملة تتردد في ذهنها ذهابا و إيابا، قالتها أختها أثناء حديثهما :" متى يأتي و يمسح كل دمعة، متى يأتي المحبوب ؟" 
و بدأت في البكاء، بكت كثيرا جدا بشكل لا يصدق، كأن كل دمعة تحمل قصة مليئة بالأسى و الألم .. 
نعم حياتها كانت مريرة في الماضي، تعرضت لحوادث أليمة سببت في غضب و حقن أظلم جزء من قلبها الرقيق، لكنها تحاول أن تتناساها لكنها لا تنساها .. 

المشهد الآن هكذا،
ركبتيها على الأرض، 
دموع لا تتوقف،
المصباح بجانبها و صورة العريس ما زالت موضوعة في ذاك الاطار خشبي بجانب السرير .. 

ألعلها تكون الليلة؟
أريدك أن تأتي، حقا أحتاج إليك..
 أنت تعلم لا أجيد الكلام و الوصف و لا التعبير عما في داخلي،
  لكن كما ترى دموعي وفرت على جهود كثيرة لوصف ما أشعر به الآن ..
   أنصت يا إلهي هذه المرة ، تظاهرت بالقوة و أنا منكسرة في داخلي ، تظاهرت بالثقة و الشجاعة و أنا أخاف الظلام و الليل عند حلوله.. 
تظاهرت بالفرحة و السعادة و فعل ما أريد كل ليلة، و لم يكن هذا إلا هروب غبي من مواجهة ذاتي .. 
كأني أبحث في فروع الشجر عما لا يوجد إلا في جذورها .. 
كأني أحاول فتح يدي و فجأة أغلقها بإحكام كمن اصطاد شيئا، أفتح يدى لأرى ما جنيته ..و نعم كما تعلم، إنه الهواء  .. إنه اللا شيء . 
أنا متعبة من حياتي، شعرت بأن لا فائدة مني، لم يعد العرس يهمني، فليحدث ما يحدث .. 
فأنا سوداء اللون و القلب .. 
لكن فليكن، فألوان القلب سهلة التلوين .. 

يا زيتي العزيز، فلتبقى هادئا ساكنا مستقرا في المصباح في هذه الليلة .. و لنا ميعاد جديد في نصف الليل .. 
لنا ميعاد مع العريس، 
لنا ميعاد مع المحبوب، 
لما ميعاد مع من تعلقت به نفسي،
لنا ميعاد مع من لم ينساني، 
لنا ميعاد مع من كان معي و لم أكن أنا معه،
لنا ميعاد مع من قرع باب قلبي بدقات رقيقة، لكني لم أكترث .. 
اه يا رب،  يا ليتك تأتي الليلة و تلون قلبي .. 

صوت ما كسر حاجز الليل و عما يفرضه من سكون،
بابان انغلقا في لحظة من الزمن،
فالاولى أغلقت بابها و خرجت لتتغنى بالحرية التي ظنت أنها محرومة منها،
و الأخرى أغلقت بابها و دخلت لتنام، المصباح بجانبها
 و الصورة، 
 صورة العريس في الإطار الخشبي كان في حضنها .. 


  *** 

و لما انتصف الليل، صار صراخ هوذا العريس قد أقبل قمن و اخرجن للقائه ........

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوما ما - الجزء الثاني

" .....  فالحب يا الحضار ليس كما أظهرته لنا الشاشات .. الحب هو ما يجعل الأرض سماء و ليس جحيما، حبك لك أن توزن أفعاله بأن تتخيل هل تقدر أن تفعل هذا أو تقول ذاك هناك في الأعالي أم لا !! تذكر أن الحب ينمو و القلب يتسع ان أردت  ... " صوته كان يقشعر له الأبدان، أسر آذان بل قلوب الجميع أثناء وقوفه بتلك الحلة البهية على هذا المسرح ..  و مع هذه الموسيقى الهادئة في خلفية كلماته، ينطق اللحن بما لم يستطع اللسان وصفه بعد ، كان الموضوع أشبه بالحلم ، بسيمفونية متكاملة النغمات تخترق مشاعر السامعين ...  قد كانت مقدمة لعمل مسرحي موسيقي من روائع تأليفه، كأنه ملأ المكان بعطر فاح رائحته فجذب الحضور من كل حدب وصوب .. دموعه انهالت في المشهد الختامي ، تصفيق حار لمدة لا تقل عن عشرة دقائق متواصلة ..  و التي في الصورة أعلاه ، نعم .. كانت هي إليزابيث ... 

أنت الحب و أنا لست الخطية

إلى الموت كان طريقي، أمسكوا بي و للرجم كان مصيري، أنا الخاطئة التائهة في شباك لعينة أمسكت بقدماي فزللت .. نظرات الاستحقار و المهانة تلاحقني كظلي، تحرق قلبي بالعار و لم أطيق ، شعرت بأني وحدي و لم يكن أحد معي، بحثت عن نظرة شفقة و لم أجد .. تمرمر قلبي، كل خطوة أخطوها نحو الموت كانت كافية لاسقاطي أرضا، تخيل أن هناك من يعجلك لآخر ومضات حياتك لينهيها .. لم أحتمل كل هذه المشاعر المضطربة من قبل، شيء معقد أن تذهب للموت الجسدي بلا روح مستعدة للانطلاق .. كنت بمثابة جثة هامدة في طريقها فقط لاعلان موتها علانية .. بحثت عن الحب و لم أجد، فظننت في فعلتي تلك بالدواء ، فكان مسمما .. إلى أن ظهر ذاك، السيد .. لم أكن رأيته من قبل و لم أرى مثله يوما ما في حياتي .. اصطدت في نظراته عيون القبول و الحب الذي لم تألفه عيناي طوال حياتي، كنت أشبه الصياد الذي درس كل عالم الأسماك بأشكالها و أنواعها، لكنه لم يصطاد سمكة واحدة .. سألوه من أمسكوا بي بأن مثل هذه ترجم كما في ناموس موسى  ، فماذا تقول !؟ حينها انخطف قلبي و كدت أصرخ كالأطفال، تيقنت بأنها النهاية، إلى أن رأيته ينحني على الأرض...

لنحيا ..

ما نظن أنفسنا نؤمن به ، تأتي تصرفاتنا لتعكس قلة إيماننا ..  ما نود قوله من كل قلوبنا ، يأتي الصمت ليلجم لساننا..  و حين يأتي وقت الصمت ، يكون قد مر الوقت !!  ما نريد أن نفعله مقتنعين به و ننصح به الآخرين ، يأتي الوقت لينسينا و يطفيء حماسة نفوسنا .. الآن نجلس لنقيم الوضع ، في موضع هاديء على ضوء الشموع .. كوب ساخن من المشروب المفضل مع بعض الأوراق المبعثرة الفارغة و قلم منذ الابتدائية ... نبدأ ب سؤال " ماذا لدينا هنا ؟" لدينا تصرفات لا تعكس ما نعتقد فيه ، لدينا أيضاً صمت ليس في وقته، وقت يمر و يمر و تنطفيء بمروره شمعة الحماس في قلوبنا .. مشاعر من الاستغراب و الحيرة بعض الشيء ،   الشك يبدأ يداعب نفسي، فهل حقاً كل ما أقوله عن إيماني في بعض المبادىء مثل حب الآخر ، مسامحته و طول البال على الكل ، فالكل معرض للخطأ .. أن أبادر نحو الآخر لا أنتظر أن يأتي إلي ، مبدأ آخر كالرجاء في وسط المشكلات و آخر مثل أهمية الالتزام و الاستمرارية على الشيء و أهمية تنظيم الوقت و ما إلى ذلك !!!   ‎يا إلهي ، نعم أعشق الحديث و التغني بجمال تلك المباديء و أهميت...